ملخص
الجديد في القيادة السعودية للعالم العربي هو القطع مع قيادات سابقة أخذت العرب إلى الحروب والهزائم والفقر، والتوسع في ازدهار الخليج ليشمل كل العواصم العربية. فالازدهار يكون شاملاً أو لا يكون.
دقت ساعة أميركا على التوقيت السعودي. كل أميركا في الرياض يتقدمها الرئيس دونالد ترمب. كل قادة الخليج العربي في الرياض لقمة أميركية- خليجية شملت اهتماماتها المنطقة. كل العرب يتكلون على الرياض. وكل العالم، وفي طليعته الكبار، منفتح على الرياض ويجد فيها موقعاً لحل مشكلاته بالحوار. شيء من صنع الأحداث، وشيء من تيسير إدارة الأحداث.
الحدث الكبير أخيراً ليس موسم التريليونات الذي حان قطافه في رحلة ترمب إلى السعودية وقطر والإمارات العربية بمقدار ما هو تصور حال العالم العربي بعد توظيف هذه الأرقام الفلكية في صنع المستقبل. واللافت ليس فقط اختيار الرئيس الأميركي القيام بأول زيارة خارجية له في الولاية الثانية إلى السعودية وقطر والإمارات العربية بل أيضاً كون ذلك انعكاساً لانتقال قيادة العالم العربي إلى الرياض.
الجديد في القيادة السعودية للعالم العربي هو القطع مع قيادات سابقة أخذت العرب إلى الحروب والهزائم والفقر، والتوسع في ازدهار الخليج ليشمل كل العواصم العربية. فالازدهار يكون شاملاً أو لا يكون. ذلك أن ما رافق المراحل الماضية في السياسات الأميركية والأوروبية كان التركيز على الصراع الجيوسياسي والاستراتيجي بين ثلاث قوى إقليمية تلعب على المسرح العربي هي تركيا وإيران وإسرائيل من دون اعتبار جدي لوزن العالم العربي وحجمه الاقتصادي وموقعه المؤثر ودوره في أي نظام أمني إقليمي أو نظام عالمي، لكن هذا الواقع اللاواقعي بدأ يتغير. فليس على المسرح العربي فراغ تتصارع القوى الإقليمية الثلاث على ملئه، لأن القوة العربية صارت حاضرة. ولا شيء اسمه نظام أمني إقليمي على حساب النظام الأمني القومي العربي.
أما الزخم الكامل للقوة العربية، فإنه يحتاج إلى إخراج لبنان وسوريا والعراق واليمن والسودان وليبيا من أزماتها لمعاودة النمو الاقتصادي وبناء الدول. وهذا ما كان على طاولة البحث في الرياض والدوحة وأبو ظبي. وليس أمراً عادياً أن يقرر ترمب رفع العقوبات عن سوريا بناءً على طلب ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، ويستقبل بمعيته الرئيس أحمد الشرع. ولا كان لبنان غائباً عن المداولات إلى جانب قضايا غزة و”حل الدولتين” والصراع في السودان واليمن.
مع تعدد طبعات الكلام على شرق أوسط جديد، فإن ترمب استخدم تعبيراً معبراً جداً: “شرق أوسط مستقر”. وما يتطلبه الاستقرار هو عملياً ما يتطلبه الازدهار والسلام. وهذا معنى الشراكة الاستراتيجية بين أميركا والسعودية وقطر والإمارات. شراكة تتضمن صفقات أسلحة بمئات مليارات الدولارات لحماية السلام والاستقرار والازدهار. وشراكة في صنع المستقبل وتوطين الذكاء الاصطناعي في “مركز” جديد في السعودية، والانتقال من استخدام التكنولوجيا إلى معرفة صنعها والمساهمة فيه، فضلاً عن الاستثمارات الواسعة في كل مجال بحيث يعتمد الناتج القومي على النشاطات الاقتصادية التي تتجاوز الدخل النفطي.
لا أحد يجهل ما على الطريق من تحديات. فالفرص الكبيرة تحيط بها الأخطار القديمة والجديدة. والصورة الوردية في القراءة الأولى للأحداث تدور حولها صور مقلقة في القراءة الثانية. بعض المطلوب من سوريا صعب ومحرج بالنسبة إلى الرئيس أحمد الشرع. فهو تحرك بنشاط عربياً وحظي بدعم سعودي وتركي فتح أمامه باب أميركا، لكن خطواته في الداخل بطيئة، والقدرة على تطبيع شعاره “سوريا لكل السوريين” من كل الطوائف والإثنيات والتوجهات هي التحدي المباشر أمامه.
بعض المطلوب من رئيس الجمهورية اللبنانية جوزف عون ورئيس الحكومة نواف سلام والحكومة والمجلس النيابي يبدو متعثراً بالنسبة إلى سحب السلاح من “حزب الله” ومحل تعقيدات بالنسبة إلى السلاح الفلسطيني لدى فصائل خارج منظمة التحرير. وهذا ما يعرقل بداية الازدهار والاستقرار.
خيوط اللعبة ليست جميعاً في يد ترمب. فإسرائيل تلعب بالمنطقة وتلاعب أميركا، وتوحي، لا فقط أنها لن تنسحب من أراض تحتلها في لبنان وسوريا بل أيضاً أنها تخطط لضم الضفة الغربية. وإنهاء حرب غزة مسألة أشد تعقيداً من اقتراحات الوسطاء.
إيران تتصرف على أساس أن صفقة نووية مع أميركا تترك لها النفوذ الإقليمي، في حين يطالب ترمب بوقف طهران للحروب بالوكالة عبر أذرعها. وتركيا تعرف ماذا تفعل بالهدية الأولى التي جاءتها بسقوط نظام الأسد، لكنها حائرة في ما عليها فعله بعد الهدية الثانية، وهي إعلان “حزب العمال الكردستاني” حل نفسه وتسليم السلاح.
لكن الدنيا تغيرت، على رغم ذلك. و”إذا تبدلت الأحوال جملة فكأنما تبدل العالم من أصله” كما قال ابن خلدون.
* نقلا عن “اندبندنت عربية”